بلال بن رباح
مؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم

كان (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه ، إذا ذكر (أبو بكر) قال : أبو بكر سيدنا ، وأعتق سيدنا - يعني ( بلالاً) - وإن رجلاً يلقبه عمر بـ (سيدنا) لهو رجل عظيم ومحظوظ إنه حبشي من أمة السود...جعلته مقاديره عبداً لاناس من بني جمح بمكة ، حيث كانت أمة إحدى إمائهم وجواريهم

وذات يوم يبصر (بلال بن رباح) نور الله ، ويسمع في أعماق روحه الخيرة رنينه ، فيذهب إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ويسلم

ولا يلبث خبر إسلامه أن يذيع..وتدور الأرض برؤوس أسياده من بني جمح .. تلك الرؤوس التي نفخها الكبر واثقلها الغرور .. !!! وتجثم شياطين الأرض فوق صدر (أمية بن خلف) الذي رأى في إسلام عبد من عبدانهم لطمة جللتهم جميعاً بالخزي والعار

عبدهم الحبشي يسلم ، ويتبع محمداً....لقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها الى جهنم قاتلة فيطرحونه علي حصاها الملتهب وهو عريان ، ثم يأتون بحجر متسعر كالحميم ينقله من مكانه بضعة رجال ، ويلقون به فوق جسده وصدره يصيح به جلادوه ، بل ويتوسلون إليه قائلين: أذكر اللات والعزى
فيجيبهم : أحد ... أحد
يقولون له : قل كما نقول
فيجيبهم في تهكم عجيب وسخرية كاوية : إن لساني لا يحسنه
ويظل ( بلال ) في ذوب الحميم وصخرة ، حتي إذا حان الأصيل أقاموه ، ويجعلوا في عنقه حبلاً ، ثم أمروا صبيانهم أن يطوفوا به جبال مكة وشورعها وبلال لا يلهج لسانه بغير نشيده المقدس : أحد ... أحد ويلكزه أمية بن خلف وينفجر غماً وغيظا ، ويصيح: أي شؤم رمانا بك يا عبد السوء...؟ واللات والعزي لأجعلنك للعبيد والسادة مثلاً
ويجيب بلال في يقين المؤمن وعظمة القديس : أحد .. أحد
ويذهب إليهم ابو بكر الصديق وهم يعذبونه ، ويصيح بهم : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله
ثم يصيح في أمية بن خلف : خذ أكثر من ثمنه واتركه حراً
وكأنما كان أمية يغرق وأدركه زورق النجاة لقد طابت نفسه وسعدت حين سمع أبا بكر يعرض ثمن تحريره إذا كان اليأس من تطويع بلال قد بلغ في نفوسهم أشدة ، ولأنهم كانوا من التجار ، فقد أدركوا أن بيعه أربح لهم من موته بأعوه لأبي بكر الذي حرره من فوره ، وأخذ بلال مكانه بين الرجال الأحرار

وحين كان الصديق يتأبط ذراع بلال منطلقاً به إلي الحرية قال له أمية: خذه ، فواللات والعزى ، لو أبيت إلا ان تشتريه بأوقية واحدة لبعتكه بها وفطن (أبو بكر) لما في هذه الكلمات من مرارة اليأس وخيبة الأمر وكان حرياً ألا يجيبه ولكن لأن فيها مساساً بكرامة هذا الذي قد صار أخاً له ، ونداً ، أجاب أمية قائلاً: والله لو أبيتم أنتم إلا مائة اوقية لدفعتها وأنطلق بصاحبه إلا رسول الله يبشره بتحريره .. وكان عيدا عظيماً

وبعد هجرة الرسول والمسلمين إلي المدينة ، واستقرارهم بها ، يشرع الرسول للصلاة آذانها..فمن يكون المؤذن للصلاة خمس مرات كل يوم...؟ وتصدح عبر الأفق تكبيراته وتهليلاته...؟ أنه بلال الذي صاح منذ ثلاث عشرة سنة والعذاب يهده ويشويه أن الله أحد....أحد لقد وقع أختيار الرسول عليه اليوم ليكون اول مؤذن للإسلام

وعاش بلال مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، يشهد معه المشاهد كلها ، ويؤذن للصلاة ، ويحيي ويحمي شعائر هذا الدين العظيم الذي أخرجه من الظلمات إلي النور ، ومن الرق إلي الحرية

ذهب يوماً يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما: أنا بلال ، وهذا أخي ، عبدان من الحبشة كنا ضالين فهدانا الله وكنا عبدين فأعتقنا الله إن تزوجونا ، فالحمد لله وإن تمنعونا ، فالله أكبر

لقد كان بلال يزداد كل يوم قرباً من قلب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي كان يصفه انه رجلٌ من أهل الجنة

وذهب الرسول إلي الرفيق الأعلي راضياً مرضياً ، ونهض بأمر المسلمين من بعده خليفته أبو بكر الصديق وذهب بلال الي خليفة رسول الله يقول له : يا خليفة رسول الله .. إلي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم : أفضل عمل المؤمن ، الجهاد في سبيل الله
قال له أبو بكر : فما تشاء يا بلال ... ؟
قال : أردت أن أرابط في سبيل الله حتي أموت
قال ابو بكر : ومن يؤذن لنا ..؟
قال بلال وعيناه تفيضان من الدمع : إني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله
قال أبو بكر : بل أبق وأذن لنا يا بلال
قال بلال : إن كنت اعتقتني لأكون لك فليكن ما تريد ، وإن كنت أعتقني لله فدعني وما أعتقني له
قال أبو بكر : بل أعتقتك لله يا بلال
ويختلف الرواة ، فيروي بعضهم أنه سافر إلي الشام حيث بقي بها مجاهداً ومرابطاً

ويروي بعضهم الأخر ، أنه قبل رجاء أبي بكر في أن يبقي معه بالمدينة، فلما قبض وولي الخلافة عمر ، أستاذنه وخرج الي الشام علي أية حال ، فقد نذر بلال بقية حياته وعمره للمرابطة في ثغور الإسلام، مصمماً على أن يلقى الله ورسوله وهو علي خير عمل يحبانه

لم يعد يصدح بالأذان صواته الشجي الحفي المهيب ، ذلك انه لم يكن ينطق في أذنه: أشهد أن محمدا رسول الله حتى تجيش به الذكريات فيختفي صوته تحت وقع أساه ، وتصيح بالكلمات دموعة وعبراته وكان أخر آذان لله، أيام زار الشام أمير المؤمنين عمر، وتوسل المسلمون إليه أن يحمل بلالاً على أن يؤذن لهم صلاة واحدة ودعا أمير المؤمنين بلالاً، وقد حان وقت الصلاة ورجاه أن يؤذن لها وصعد بلال وأذن...فبكى الصحابة الذين كانوا ادركوا رسول الله وبلال يؤذن له...بكوا كما لم يبكوا من قبل أبداً..وكان (عمر) أشدهم بكاء

وقد أختلف اهل السير أين مات ؟ فقال بعضهم : مات بدمشق وقال بعضهم : مات بحلب سنة عشرين و قيل سنة ثمان عشرة وهو ابن بضع و ستين سنة رحمه الله وهكذا مات بلال مرابطاً في سبيل الله كما أراد

فضائله رضي الله عنه
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بلال سابق الحبشة

وعن ابن بريدة عن ابيه قال ك دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بلالاً فقال : يا بلال بم سبقتني الى الجنة ؟ إني دخلت الجنة البارحة فسمعت خشخشتك -أي صوت نعله-أمامي فقال بلال : يا رسول الله ما أذنت قط الا صليت ركعتين وما أصابني حدث قط الا توضئت عندها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بهذا

وقد كان ممن نزل فيه قول الله تعالى : وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ فكانت شهادة من الله تعالى انه ممن يريدون وجه الله تعالى